تسعى الحكومة البريطانية بقيادة رئيس الوزراء كير ستارمر إلى إطلاق مفاوضات تفصيلية جديدة بشأن اتفاقيات ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مع التركيز على قطاع الأغذية الزراعية، في خطوة تهدف إلى تسريع رؤية الشعب البريطاني للفوائد الاقتصادية قريبًا، لا سيما عبر خفض أسعار المنتجات في المتاجر الكبرى.
وفقًا لمسؤول كبير في الحكومة البريطانية مطلع على التحضيرات، تأمل لندن أن تبدأ هذه المحادثات في الخريف القادم، وأن تنتهي في النصف الأول من عام 2026، وهو جدول زمني طموح يتجاوز توقعات كثيرين في القطاع الزراعي والأغذية.
اتفاقيات ما بعد البريكست: التوقيت والمضمون
يأتي هذا الإعلان في وقت نشرت فيه المفوضية الأوروبية مسودات خططها التفاوضية المتعلقة باتفاقية الصحة والصحة النباتية، التي تهدف إلى إزالة عمليات التفتيش الحدودية على المنتجات النباتية والحيوانية عبر قناة مانشستر، من خلال مواءمة المعايير البريطانية مع معايير الاتحاد الأوروبي.
كما نشرت المفوضية مسودة تفويض أولي للتفاوض بشأن ربط نظامي تداول الانبعاثات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وهو بند مهم من بنود “إعادة ضبط العلاقات” بين الطرفين.
ومن المقرر أن تخضع هذه المقترحات لموافقة دول الاتحاد الأعضاء قبل انطلاق الهيئة التنفيذية للاتحاد الأوروبي في العمل عليها.
ردود فعل القطاع الزراعي: ترحيب مشوب بالإلحاح
رحبت جمعية تجارة البستنة بالجدول الزمني المخطط له. وقالت فران بارنز، الرئيسة التنفيذية للجمعية، إن الاتفاقية “لا يمكن أن تكون أكثر ترحيبًا، ولن تأتي في وقت قريب بما فيه الكفاية”. وأضافت: “نحث كلا الجانبين على التعاون بسرعة لتسوية التفاصيل وإحداث تغيير حقيقي، لأن النظام الحدودي الحالي يسبب عدم يقين وتكاليف باهظة لأعمال أعضائنا”.
في هذا الإطار، زار نيك توماس سيموندز، وزير مكتب مجلس الوزراء المسؤول عن تنفيذ عملية إعادة ضبط العلاقات، أكبر سوق جملة للفاكهة والخضروات في المملكة المتحدة في جنوب لندن، للتواصل مباشرة مع التجار وشرح الأهداف الحكومية.
أهمية اتفاقية انبعاثات الكربون والضغط الزمني
يشكل الربط بين نظامي تداول الانبعاثات البريطاني والأوروبي (ETS) أولوية ملحة في المحادثات، خاصة مع قرب تطبيق ضريبة الكربون الحدودية الأوروبية (CBAM) اعتبارًا من الأول من يناير 2026.
وتسعى لندن لتجنب فرض هذه الضريبة على شركاتها، التي من شأنها أن تضغط بشدة على قطاعات صناعية حساسة مثل صناعة الصلب البريطانية، التي تعاني من تراجع مستمر وخسائر وظيفية.
وأشار المسؤول البريطاني إلى أن المحادثات قد لا تكتمل قبل الموعد النهائي، لكن الحكومة تستعد لسد أي فجوة محتملة عبر ترتيبات مؤقتة أو انتظار أي تأخير من الاتحاد الأوروبي في تطبيق بعض تدابير الحد من الانبعاثات.
تطورات أخرى ضمن “إعادة ضبط العلاقات”
من المتوقع أن تواصل المفوضية الأوروبية إصدار تفويضات تفاوضية إضافية في الأشهر المقبلة، تتعلق بمواضيع أخرى متفق عليها مثل تحسين ترتيبات تجارة الكهرباء بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
وفي تعليق له حول هذه المفاوضات، قال سفير الاتحاد الأوروبي في لندن، بيدرو سيرانو، لصحيفة بوليتيكو: “هناك عزم واضح على إتمام هذه المهام في أقرب وقت ممكن، والكثير من العمل جاري بالفعل. نريد تنفيذ الاتفاق بأسرع ما يمكن من كلا الجانبين”.
هدف الحكومة البريطانية: إظهار نتائج ملموسة قبل الانتخابات
يرغب رئيس الوزراء كير ستارمر في أن يلمس الناخبون البريطانيون فوائد إعادة ضبط العلاقة مع الاتحاد الأوروبي عبر خفض الأسعار وتحسين تدفق البضائع، قبل الانتخابات العامة المقبلة، الأمر الذي يضيف بعدًا سياسيًا وعمليًا لسرعة استكمال الاتفاقيات.
ويأتي هذا في ظل استمرار محاولات الحكومة لتجاوز تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي “بريكست”، وتعزيز العلاقات التجارية دون العودة إلى الانقسامات التي خلفها الانفصال.
تشير هذه التطورات إلى تحرك جاد نحو إنهاء فترة انتقالية وإعادة رسم العلاقات الاقتصادية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي عبر اتفاقيات متخصصة تركز على القطاعات الحيوية، وسط رغبة واضحة في تحقيق نتائج ملموسة في فترة قصيرة، تلبي طموحات الحكومة والشعب على حد سواء.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29462