زيلينسكي يشيد بالتعهد الأمني الأمريكي ويؤكد رفضه التنازل عن الأراضي غير المحتلة

أشاد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بما وصفه بالقرار “التاريخي” للولايات المتحدة بالمشاركة في توفير ضمانات أمنية لأوكرانيا ما بعد الحرب، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن بلاده لن تقبل التنازل عن أراضٍ غير محتلة من قبل روسيا، رافضًا أي مقايضات إقليمية تفرضها موسكو.

وجاءت تصريحات زيلينسكي في بروكسل، عقب لقاء مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، حيث أكد أن الضمانات الأمنية يجب أن تكون “عملية للغاية”، وتشمل حماية أوكرانيا برًا وجوًا وبحرًا.

وقال زيلينسكي: “إنه قرار تاريخي بأن الولايات المتحدة مستعدة للمشاركة في ضمانات أمنية. لكن من الضروري أن تتطور هذه الضمانات بمشاركة أوروبا، وأن تكون قابلة للتنفيذ لا مجرد وعود سياسية.”

المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف كشف أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين توصلا خلال لقائهما في ألاسكا إلى تفاهم أولي يتيح صياغة ضمانات أمنية شبيهة بالمادة الخامسة من ميثاق الناتو، وهو ما رحبت به كييف وعواصم أوروبية عدة.

كما أشاد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باستعداد واشنطن للانخراط في توفير هذه الضمانات، وأكدا التزام بلديهما بـ”نشر قوة طمأنة” بمجرد توقف القتال.

التنازلات الإقليمية… خط أحمر

رغم الترحيب بالتحول الأمريكي، ظل ملف الأراضي نقطة خلاف مركزية. فقد شدد زيلينسكي على أن أوكرانيا قد تبحث ترتيبات إقليمية مرتبطة بخطوط التماس الحالية، لكنها لن تقبل التخلي عن أراضٍ لم تحتلها روسيا.

وأوضح: “المفاوضات يجب أن تنطلق من حيث يقف خط المواجهة الآن. دستور أوكرانيا يمنع التنازل عن أراضٍ أو مقايضتها، وهذا مبدأ لا يمكن تجاوزه.”

وأشار إلى أن موسكو لم تتمكن منذ 2014 من السيطرة على كامل إقليم دونيتسك، بما في ذلك مدينتي سلوفيانسك وكراماتورسك الاستراتيجيتين، مؤكدًا أن “بوتين فشل طوال 12 عامًا في تحقيق هذا الهدف”.

صحيفة نيويورك تايمز نقلت عن مصادر أوروبية أن ترامب لمح إلى إمكانية إقناع أوكرانيا بقبول “تسوية إقليمية محدودة”، وهو ما أثار قلقًا في كييف التي تصر على أن أي نقاش حول مستقبل الأراضي يجب أن يسبقه وقف إطلاق نار شامل.

نحو مفاوضات ثلاثية؟

زيلينسكي أعرب عن انفتاحه للقاء بوتين مباشرة في اجتماع ثلاثي يضم أوكرانيا وروسيا والولايات المتحدة بوساطة ترامب، معتبرًا أن “قضايا السيادة والأرض يجب أن يناقشها القادة مباشرة”. لكنه أضاف محذرًا: “حتى الآن، لا تبدي روسيا أي إشارة إلى قبول اجتماع ثلاثي. وإذا رفضت، فلا بد من فرض عقوبات جديدة.”

صحيفة بوليتيكو كانت قد نقلت الأسبوع الماضي عن مسؤولين أوكرانيين أن كييف لن تناقش تبادلات إقليمية ما لم توافق روسيا على وقف إطلاق النار، وهو ما ترفضه موسكو حتى الآن.

أوروبا بين الحذر والضغط

بالتوازي مع تحركات كييف وواشنطن، يكثف القادة الأوروبيون ضغوطهم على موسكو. فقد دعا أنطونيو كوستا، رئيس المجلس الأوروبي، والممثلة السامية للسياسة الخارجية كايا كالاس، إلى تشديد العقوبات الاقتصادية على روسيا إذا واصلت رفضها التفاوض الجاد.

وفي تصريحات من حصن بريغانسون بجنوب شرق فرنسا، قال ماكرون: “هل أعتقد أن بوتين يريد السلام؟ لا، إنه يريد استسلام أوكرانيا. أما ترامب، فأعتقد أنه يريد السلام، والسؤال هو أي نوع من السلام.”

ومع اقتراب لقاء زيلينسكي وترامب في البيت الأبيض، يظل المشهد مزيجًا من الفرص والمخاطر: فرصة لترسيخ مظلة أمنية أمريكية ـ أوروبية تضمن بقاء أوكرانيا، ومخاطر الضغوط المحتملة على كييف للقبول بتسويات إقليمية.

وبينما يتمسك زيلينسكي بمبدأ حماية وحدة أراضي بلاده، فإن التحدي الأكبر أمامه سيكون إقناع الحلفاء الغربيين ــ وفي مقدمتهم ترامب ــ بأن السلام لا يمكن أن يكون ثمرة ابتزاز عسكري روسي، بل اتفاق عادل يحترم السيادة الأوكرانية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.