تبدو السياسة الفرنسية مشلولة على نحو غير مسبوق، حتى أن فكرة استقالة الرئيس إيمانويل ماكرون – التي كانت تُتداول همسًا في كواليس الحكم – تحولت إلى نقاش علني يشمل سياسيين ومعلّقين بارزين.
ومع أن استقالة رئيس في الجمهورية الخامسة ستُحدث زلزالًا دبلوماسيًا أوروبيًا، إلا أن الأوساط السياسية الفرنسية تتساءل ما إذا كان رحيله سيعالج أصل المأزق، أم أنه سيكشف عمق الأزمة البنيوية التي تعصف بالنظام السياسي.
ويدخل ماكرون عامه الثامن في الإليزيه، لكنه يبحث الآن عن خامس رئيس وزراء خلال أقل من عامين، بعد أن قرر التخلص من فرانسوا بايرو بسبب سياسات تقشفية لخفض عجز الموازنة.
ومع ذلك، تبدو كل البدائل محكومة بالفشل: فانتخابات مبكرة ستفرز برلمانًا معلقًا جديدًا، بينما مرشح جديد لرئاسة الوزراء سيصطدم بنفس العقبات التشريعية والاحتجاجات الشعبية.
والمؤسسات التي صمدت لسبعة عقود أمام الإضرابات والاحتجاجات تبدو اليوم عاجزة.
إذ أن البرلمان وصل إلى طريق مسدود، المفاوضات حول الميزانية متعثرة، الأسواق متوترة، والشارع يلوّح باضطرابات واسعة. يحذّر بايرو نفسه من سيناريو يوناني إذا لم تُخفض باريس الإنفاق سريعًا.
معارضة تطالب بالرحيل
المناخ السياسي في فرنسا بات أكثر عدائية:
جوردان بارديلا، زعيم “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، يطالب علنًا برحيل ماكرون.
جان لوك ميلينشون، قائد اليسار المتطرف، ينضم إلى النداء نفسه.
معلقون سياسيون من الوسط واليمين باتوا يتحدثون بلا حرج عن خيار الاستقالة.
يقول الخبير في استطلاعات الرأي ماتيو غالارد إن “الانزعاج حقيقي”، حتى بين الأصوات القريبة من معسكر ماكرون.
حدود النظام الرئاسي
الخبير الدستوري بنيامين موريل يذكّر بأن الفرنسيين لم يعودوا يمنحون الرئيس أغلبية برلمانية تلقائية، كما كان يحدث تاريخيًا. صعود ماكرون عام 2017 كوجه ليبرالي خارج الأطر الحزبية دمّر التقاليد القديمة، لكن الصدوع السياسية عادت لتطارده.
أما الاقتصادي إريك تشاني فيرى أن حالة عدم اليقين الراهنة لم تُشبهها إلا أحداث 1968، حين شلّت الاحتجاجات فرنسا وأحدثت تحولات اجتماعية عميقة.
وماكرون المعروف بعناده يستبعد الاستقالة المبكرة، مدركًا أن مغادرته لن تحل الانقسامات ولا أزمة العجز. وعوده بتحويل فرنسا إلى “أمة الشركات الناشئة” لم تتحقق بالكامل، فيما المزاج السياسي العام غير متعاون، بحسب غاسبار جانتزر، المستشار السابق لفرانسوا هولاند.
ويحذر تشاني من أن تجاهل العجز سيؤدي إلى أزمة مالية شاملة، إذ قد تعتبر ألمانيا أن فرنسا باتت “مشكلة خطيرة” وأن البنك المركزي الأوروبي غير قادر على إنقاذها دون شروط صارمة. لكن حتى لو ضغطت برلين، يبقى السؤال: هل يمكن لفرنسا تنفيذ تقشف قاسٍ في ظل شارع يرفض التضحيات؟
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29621