تدخل فرنسا هذا الأسبوع مرحلة سياسية شديدة الاضطراب مع اقتراب سقوط حكومة رئيس الوزراء فرانسوا بايرو، الذي يواجه تصويتًا حاسمًا على الثقة في الجمعية الوطنية اليوم الاثنين.
ومن شبه المؤكد أن الحكومة ستخسر التصويت على خلفية مشروع خفض الميزانية بقيمة 43.8 مليار يورو، ما يضع الرئيس إيمانويل ماكرون أمام تحدي اختيار رئيس وزراء خامس خلال أقل من عامين.
معركة الميزانية وسقوط الثقة
يعود سبب الأزمة الحالية إلى مقترح حكومي لخفض الإنفاق العام في محاولة لطمأنة الأسواق المالية وكبح الدين المتصاعد. إلا أن المعارضة، بشقيها اليساري واليميني، اعتبرت الإجراءات قاسية وغير واقعية، رافضة تمريرها.
وأكدت مصادر برلمانية أن المعارضة تملك الأصوات الكافية لإسقاط الحكومة، ما يعني أن تصويت اليوم سيكون بمثابة إعلان وفاة سياسي لبايرو الذي يوصف منذ أسبوعين بـ”الرجل الميت سياسيًا”.
ارتباك داخل الإليزيه
في الكواليس، يلتزم الرئيس ماكرون الصمت. وعلى الرغم من التوقعات بأنه سيتحدث مباشرة بعد سقوط الحكومة، لم يُحسم توقيت تدخله بعد.
بعض المقربين ينصحونه بالتحرك سريعًا لتأكيد الاستقرار السياسي وإظهار قيادة قوية.
آخرون يرون أن الأفضل انتظار الإضراب الوطني المقرر يوم الأربعاء، ثم الإعلان عن رئيس وزراء جديد في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي.
هذا التردد يعكس حساسية اللحظة السياسية، خصوصًا أن حكومة ميشيل بارنييه السابقة سقطت في ديسمبر/كانون الأول 2024، وماكرون آنذاك تأخر يومًا واحدًا فقط للتعليق، مبررًا الأمر بوجوده في الخارج.
أسماء مطروحة لخلافة بايرو
تدور التكهنات حول ثلاثة أسماء بارزة داخل حكومة ماكرون:
سيباستيان ليكورنو: وزير القوات المسلحة، وأحد أوائل داعمي ماكرون. نشط مؤخرًا في التواصل مع رؤساء بلديات يساريين لتعزيز حظوظه، عارضًا نفسه كخيار منفتح على اليسار.
جيرالد دارمانين: وزير العدل، صاحب نفوذ واسع، لكنه يواجه تحفظات من بعض الكتل البرلمانية.
إريك لومبارد: وزير الاقتصاد، ويقال إنه بدأ منذ السبت بتشكيل فريق حكومي محتمل تحسبًا لتكليفه.
أما وزير الداخلية برونو ريتيلو، زعيم حزب الجمهوريين المحافظ، فقد استبعد دعم أي مرشح من خلفية اشتراكية، لكنه يضغط لتعيين شخصية توافقية قادرة على إدارة المرحلة المقبلة.
المخاطر الاقتصادية والاجتماعية
تزامن الانهيار السياسي مع قلق متصاعد في الأسواق المالية، حيث يتابع المستثمرون بترقب قدرة فرنسا على الالتزام بخفض الإنفاق. أي تأخير في تشكيل حكومة جديدة قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض وزيادة الضغط على اليورو.
إلى جانب ذلك، يلوح في الأفق إضراب وطني واسع في 18 سبتمبر/أيلول، من المتوقع أن يكون أشدّ من الإغلاق الجزئي المخطط له هذا الأربعاء. وهو ما يضيف ضغوطًا إضافية على ماكرون للإسراع في تعيين حكومة جديدة لتفادي انفجار اجتماعي.
وإسقاط حكومة بايرو لن يكون حدثًا معزولًا، بل حلقة جديدة في سلسلة من الأزمات الحكومية المتكررة التي ضربت فرنسا في السنوات الأخيرة. وإذا لم ينجح ماكرون في إيجاد صيغة توافقية سريعة، فقد تتسع الهوة بين السلطة التنفيذية والجمعية الوطنية، مما يعطل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الضرورية.
يرى مراقبون أن الأزمة الراهنة قد تعكس تآكل سلطة ماكرون في ولايته الثانية، مع صعوبة إيجاد أغلبية برلمانية مستقرة، وتنامي الضغوط من المعارضة اليمينية المتشددة واليسار الراديكالي على حد سواء.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29632