كشفت المفوضية الأوروبية، أن الاتحاد الأوروبي والهند دخلا المرحلة النهائية من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة، بعد تحقيق تقدمٍ ملموس خلال جولة جديدة من المحادثات في بروكسل الأسبوع الماضي، ركّزت على الملفات الزراعية والصناعية الحساسة.
وقال المتحدث باسم شؤون التجارة في المفوضية، أولوف جيل، إن الفرق المفاوضة “ستواصل العمل بوتيرة مكثفة خلال الأسابيع المقبلة، مع مشاركة مستمرة بين كبار المفاوضين بشكل افتراضي وشخصي على حد سواء.”
وأبرز ما تحقق خلال الجولة الأخيرة هو إغلاق فصل “قواعد الصحة والصحة النباتية” الذي ظلّ عالقًا لسنوات، وهو الملف الذي يحكم تجارة المنتجات الزراعية والغذائية بين الجانبين. ويُعتبر هذا الفصل أحد أكثر القضايا تعقيدًا، نظرًا لاختلاف المعايير والقيود التنظيمية الخاصة بالأمن الغذائي وحماية المستهلك بين الاتحاد الأوروبي والهند.
وأوضح المتحدث الأوروبي أن هذا التقدم يمهّد الطريق أمام تسريع المفاوضات المتبقية، مشيرًا إلى أن الاتحاد الأوروبي ونيودلهي يسعيان إلى إنهاء الاتفاق قبل نهاية العام الجاري، ليكون خطوة استراتيجية جديدة في تنويع الشراكات التجارية العالمية.
وأضاف جيل أن الحوار السياسي “سيستمر بين مفوض التجارة الأوروبي ماروش شيفتشوفيتش ووزير التجارة الهندي بيوش غويال”، مؤكداً أن الجانبين لم يحددا بعد موعدًا لجولة تفاوض رسمية جديدة، في ظل استمرار الاجتماعات التقنية بشكل شبه يومي.
مصالح متبادلة وتحديات قائمة
بحسب مصادر أوروبية، ناقش المفاوضون مصالحهم الهجومية والدفاعية في الوصول إلى الأسواق، سواء في القطاعات الصناعية أو الزراعية.
فالهند تطالب بتسهيلات أكبر لصادراتها من المنسوجات والمنتجات الزراعية المصنعة، بينما يصرّ الاتحاد الأوروبي على خفض الرسوم الجمركية المرتفعة التي تفرضها نيودلهي على السيارات الأوروبية والمنتجات الكحولية والمعدات الصناعية.
ويعدّ هذا التوازن بين مصالح الطرفين محورًا رئيسيًا للاتفاق المرتقب، خصوصًا أن الهند تمثل خامس أكبر اقتصاد في العالم وسوقًا استهلاكية ضخمة تضم أكثر من 1.4 مليار نسمة، فيما يشكّل الاتحاد الأوروبي أكبر تكتل تجاري على مستوى العالم وشريكًا رئيسيًا لنيودلهي في مجالات التكنولوجيا والطاقة الخضراء.
سباق الزمن بعد “صدمة ترامب”
تسارع وتيرة المحادثات يأتي بعد فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أغسطس الماضي تعريفة جمركية بنسبة 50% على الواردات الهندية، عقابًا على استمرار نيودلهي في شراء الطاقة الروسية.
وقد أحدث القرار صدمةً في الحكومة الهندية برئاسة ناريندرا مودي، التي بدأت على الفور إعادة تقييم علاقاتها التجارية للحد من الاعتماد على السوق الأميركية.
وفي المقابل، يخضع الاتحاد الأوروبي لتعريفة أميركية أساسية تبلغ 15% على بعض صادراته، مما جعل بروكسل ونيودلهي تسعيان بشكل متوازٍ لتنويع الشركاء التجاريين وتقليل الاعتماد على واشنطن.
ويرى مراقبون أن هذه التطورات الجيوسياسية أعطت زخمًا جديدًا لمفاوضات التجارة الحرة المتعثرة منذ أكثر من عقد.
لقاءات رفيعة وتسريع المسار
ذكرت وكالة الأنباء الهندية (PTI) أن وزير الدولة للتجارة راجيش أغراوال زار بروكسل الأسبوع الماضي “لإعطاء زخم إضافي” للمحادثات، حيث التقى سابين وياند، المديرة العامة للتجارة في المفوضية الأوروبية.
وتركّزت المباحثات على تسريع عملية التوافق على القضايا التقنية المتبقية، مثل الملكية الفكرية، وحماية البيانات الصناعية، والمعايير البيئية، وإمكانية إنشاء آلية تسوية نزاعات تجارية مرنة.
وأشار مسؤول أوروبي إلى أن “الجانبين يعملان وفق جدول زمني ضاغط لإنجاز اتفاق سياسي أولي قبل نهاية 2025، يليه التوقيع الرسمي في الربع الأول من 2026.”
نحو شراكة استراتيجية جديدة
تأتي هذه المفاوضات ضمن إطارٍ أوسع من التعاون الاستراتيجي بين الاتحاد الأوروبي والهند، يشمل الطاقة المتجددة، والذكاء الاصطناعي، وسلاسل الإمداد، والدفاع البحري في المحيطين الهندي والهادئ.
ويرى محللون أن نجاح الاتفاق التجاري سيُشكّل تحوّلًا استراتيجيًا في خريطة التجارة العالمية، مع تقليص الاعتماد الأوروبي على الصين، وتوسيع النفوذ الاقتصادي للهند في الغرب.
وفي ختام بيانه، أكد المتحدث باسم المفوضية أن الاتحاد الأوروبي “يرى في الهند شريكًا استراتيجيًا طويل الأمد، وأن اتفاقية التجارة الحرة ستكون حجر الزاوية لعلاقة اقتصادية قائمة على الثقة والمصالح المتبادلة.”
بهذا، يبدو أن بروكسل ونيودلهي تتحركان بسرعة غير مسبوقة لإنجاز اتفاقٍ طال انتظاره، في وقتٍ يسعى فيه الطرفان لحماية مصالحهما من الاضطرابات الاقتصادية والتجارية التي خلّفها التصعيد الأميركي الأخير.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29711