دعا مفوض الدفاع الأوروبي، أندريوس كوبيليوس، إلى إمكانية نشر القوات الأوكرانية في دول الاتحاد الأوروبي الحدودية بعد انتهاء النزاع في أوكرانيا، معتبرًا أن الجيش الأوكراني “الذي اختبر القتال” سيكون إضافة قيمة لتعزيز أمن القارة الأوروبية ضد أي تهديد روسي محتمل.
وتأتي هذه التصريحات في وقت يتضاءل فيه الأمل بانضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) نتيجة معارضة الولايات المتحدة وعدد من الحلفاء الأوروبيين.
وأوضح كوبيليوس خلال مؤتمر صحفي في فيلنيوس أن الجيش الأوكراني يمكن أن يساهم في حماية الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي، بدءًا من منطقة البلطيق وصولًا إلى ليتوانيا، بالتوازي مع القوات الألمانية المدرعة والكتائب الأمريكية المتناوبة.
وأكد المفوض الأوروبي أن أي مشاركة أوكرانية لن تؤثر على التزامات ألمانيا بإرسال لواء مدرع إلى ليتوانيا، أو على وجود القوات الأمريكية في المنطقة، أو على الحقوق والدفاعات الجماعية المنصوص عليها في المادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو.
وأشار كوبيليوس، الذي شغل منصب رئيس وزراء ليتوانيا سابقًا، إلى أن التاريخ أظهر لأوروبا الشرقية أهمية امتلاك ضمانات متعددة للأمن. وأضاف أن المادة الخامسة يجب أن تكون مدعومة بإجراءات أمنية إضافية من الاتحاد الأوروبي، مع وجود آلية واضحة لتنفيذها، لضمان حماية فعالة للدول الحدودية في مواجهة أي تهديد خارجي محتمل.
وتكمن أهمية هذه الدعوة في أن أوكرانيا تمتلك اليوم أحد أكثر الجيوش خبرةً في أوروبا، نتيجة سنوات من الصراع المستمر مع روسيا منذ عام 2014، وتصاعد النزاع بشكل كبير بعد الغزو الروسي الشامل في فبراير 2022.
وقد اكتسب الجيش الأوكراني مهارات قتالية عالية وتجربة ميدانية كبيرة، ما يجعله أداة فعالة يمكن الاستفادة منها في تعزيز الدفاع الأوروبي، حتى في ظل الشكوك بشأن عضوية أوكرانيا في الناتو.
لكن، من الناحية العملية، يظل هذا الاحتمال بعيد المنال في الوقت الراهن، حيث لا تزال المعارك مستمرة في شرق أوكرانيا، والجيش الروسي يواصل تقدمه في بعض المناطق، فيما لم تظهر موسكو أي مؤشرات على استعدادها لوقف الأعمال العدائية أو التوصل إلى تسوية سلمية.
كما أن المشهد الدولي يعكس انقسامات بين الحلفاء الغربيين حول مدى وموعد إدماج أوكرانيا في آليات الدفاع الجماعي.
ويرى خبراء أن اقتراح كوبيليوس قد يمثل خطوة استراتيجية لتعزيز التوازن الأمني في أوروبا الشرقية، دون أن يلتزم الاتحاد الأوروبي بتوسيع عضوية الناتو بشكل مباشر.
فالحلفاء الأوروبيون، وخاصة الدول المطلة على الحدود الشرقية، مثل ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، يسعون إلى ضمان أقصى درجات الحماية ضد أي عدوان محتمل من روسيا، مستفيدين من خبرة الجيش الأوكراني وقدرته على العمل في بيئة قتالية حقيقية.
كما أن الدعوة الأوروبية تأتي في سياق تقليل الاعتماد الكامل على القوات الأمريكية والأطلسية في الدفاع عن القارة، وهو ما يعكس إدراك الاتحاد الأوروبي للحاجة إلى آليات دفاعية أوروبية متقدمة ومستقلة جزئيًا، تشمل تدريب القوات المحلية وتحسين الجاهزية القتالية والتنسيق مع حلفاء خارجيين.
ويشير كوبيليوس إلى أن أي نشر محتمل للقوات الأوكرانية لن يكون بديلاً عن الالتزامات القائمة، بل سيكون تكميليًا، لتعزيز الردع ومنع أي تهديد روسي قبل أن يتحول إلى أزمة كبرى.
وأضاف: “إننا الليتوانيون تعلمنا أن ضمانات متعددة للأمن أفضل دائمًا، وهذا ما نسعى لتحقيقه من خلال تنسيق واضح بين الاتحاد الأوروبي والناتو وأوكرانيا”.
ويمثل اقتراح كوبيليوس خطوة سياسية مهمة، تعكس تحولًا في التفكير الأوروبي بشأن كيفية التعامل مع التهديدات الأمنية في المنطقة الشرقية، من خلال الاستفادة من تجربة الجيش الأوكراني القتالية وتعزيز آليات الردع الجماعي دون الانخراط في التزامات رسمية قد تكون مثيرة للجدل داخل الحلفاء الأوروبيين والأمريكيين.
ويبدو أن المستقبل سيشهد نقاشات مكثفة حول مدى قدرة أوكرانيا على أن تصبح عنصرًا فعالًا في الدفاع الأوروبي بعد انتهاء النزاع، ومدى قبول الدول الأعضاء بهذه المشاركة ضمن إطار متكامل للأمن القاري.
الرابط المختصر https://arabiceuro.net/?p=29775